فصل: (فرع: حلب لبن الصيد للمحرم)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:إتلاف بيض الصيد]

كل صيد وجب على المحرم الجزاء بقتله.. وجب عليه الجزاء بإتلاف بيضه.
وبه قال كافة أهل العلم.
وقال المزني وداود: (لا يجب فيه الجزاء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94].
قال مجاهد: ما تناله أيدينا: البيض والفرخ، وما تناله رماحنا: الصيد.
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كسر المحرم بيض نعامة.. فعليه ثمنها».
إذا ثبت هذا: فإن كسر بيض الجراد.. ضمنه؛ لأن الجراد مضمون، فكذلك بيضه. وإن أخذ بيض صيد وتركه تحت الدجاجة.. نظرت: فإن حضنتها تحتها وطارت ونشأت.. فلا شيء عليه، وإن فسدت.. ضمنها.
وإن أخذ بيض دجاجة فجعلها تحت الصيد، فلم يقعد الصيد على بيضه، أو قعد عليه ففسد.. فعليه ضمان بيض الصيد؛ لأن الظاهر أنه إنما لم يقعد على بيضه لأجل ما ترك تحته من بيض الدجاج، وكذلك فساده فضمنه.
وإن نزا ديك على يعقوبة فباضت، أو نزا يعقوب على دجاجة فباضت.. لم يجز للمحرم كسر ذلك البيض تغليبا للتحريم، وكذلك لا يجوز إتلاف فرخه، فإن أتلفه.. فعليه الجزاء.

.[فرع: كسر المحرم بيض الصيد]

إذا كسر بيضة من بيض الصيد.. لم يجز له أكلها، كما إذا ذبح صيدا.. لم يحل له أكله. قال الشافعي: (ويحل لغيره).
قال الشيخ أبو حامد: هذا على أحد القولين في المحرم إذا ذبح صيدا... هل يحل لغيره؟ وكذلك الجرادة إذا قتلها المحرم.
وقال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: يحل لغيره قولا واحدا؛ لأن البيض والجراد لا تفتقر إباحته إلى الذكاة، بدليل: أنه لو ابتلع بيضة من غير كسر.. جاز، وكذلك لو ماتت الجرادة حتف أنفها.. حلت، فلم يكن لفعل المحرم تأثير في إباحتها، بخلاف الصيد الذي لا يحل إلا بذكاة.

.[فرع: كسر البيض الفاسد]

وإن كسر بيضة مذرة - وهي الفاسدة - فإن كانت بيضة نعامة.. وجب عليه الجزاء؛ لأن لقشرها قيمة. وإن كانت من غير النعامة.. لم يجب عليه الجزاء؛ لأنه لا قيمة لها.

.[فرع: حلب لبن الصيد للمحرم]

وإن حلب لبن صيد.. ضمنه.
قال ابن الصباغ: وحكى أصحابنا عن أبي حنيفة: (إن نقص الصيد بذلك.. ضمنه، وإن لم ينقص.. لم يضمنه).
دليلنا: أنه أتلف شيئا من الصيد، فأشبه البيض والريش.

.[فرع: حبس الطائر في الحل وفرخه في الحرم وعكسه]

إذا حبس المحل طائرا في الحل وله فرخ في الحرم، حتى مات الطائر والفرخ.. ضمن الفرخ دون الطائر؛ لأنه أتلف الطائر في الحل، وأتلف الفرخ في الحرم بسبب كان منه في الحل، فهو كما لو رماه من الحل.
وإن حبس طائرا في الحرم وله فرخ في الحل، فمات الطائر والفرخ.. ضمنهما جميعا؛ لأنه أتلف الطائر في الحرم وأتلف فرخه بسبب كان منه في الحرم، فهو كما لو رماه من الحرم إلى الحل.

.[مسألة:اضطرار المحرم لفعل محظور]

كل ما نهي عنه المحرم إذا احتاج إلى فعله، مثل: أن يحتاج إلى اللباس لحر أو برد، أو احتاج إلى الطيب لمرض، أو احتاج إلى حلق الرأس أو قطع الظفر للأذى، أو إلى قتل الصيد للمجاعة.. جاز له فعله؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
وفي المنع من هذا عند الحاجة إليه حرج. وتجب عليه الفدية، إلا في لبس السراويل عند عدم الإزار.. فإنه لا فدية عليه، وقد مضى بيانه.
والدليل - على وجوب الفدية في هذه الأشياء -: قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
وتقدير الآية: فمن كان منكم مريضا فتطيب، أو به أذى من رأسه فحلق شعره... ففدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. ولحديث كعب بن عجرة الذي تقدم ذكره.

.[فرع: صيال الصيد]

وإن صال عليه صيد، فلم يندفع عنه إلا بقتله، فقتله.. لم يجب عليه الجزاء. وقال أبو حنيفة: (عليه الجزاء).
دليلنا: أنه ألجأه إلى قتله، فهو كما لو قتل آدميا دفعا عن نفسه.. فإنه لا شيء عليه.

.[فرع: إيذاء الشعر أو قلم بعض الظفر]

وإن نبت شعر في عينيه فقلعه، أو نزل شعر حاجبيه فغطى عينيه فقص المسترسل.. فلا جزاء عليه؛ لأنه ألجأه إلى ذلك، فهو كالصيد إذا صال عليه.
فإن قيل: فقد يكثر الشعر على الرأس فيؤذيه ويحميه، فهلا أجزتم تقصيره من غير فدية؟
قلنا: لا نقول ذلك؛ لأن الحمي مضاف إلى الوقت وإن كان الشعر سببا، ألا ترى أن الشعر لا يحمي عليه في زمان البرد.
وإن انكسر بعض ظفره فأخذه.. فلا شيء عليه. نص عليه الشافعي في (مختصر الحج)؛ لأن ذلك يؤذيه، فهو بمنزلة الشعر في عينيه. وإن أزال مع المكسور شيئا من الصحيح.. ضمنه بما يضمن به الظفر؛ لأنه لو أزال بعض الظفر ابتداء.. وجب ضمانه.
قال الشافعي: (وإن قلم بعض ظفره ولكنه لم يستوف ما على اليد منه، بل خففه أو أخذ بعضه.. ففيه الفدية، وضمنه بما يضمن جميع الظفر. وهو: مد؛ لأنه لا يتبعض).
قال الشيخ أبو حامد: وينبغي أن يكون الحكم، إذا أخذ بعض شعره، كالحكم في الظفر.

.[فرع: افتراش الجراد الطريق وإباضة الصيد على الفراش]

وإن افترش الجراد في الطريق، فلم يجد المحرم سبيلا إلى المشي فيه إلا بقتل الجراد، فمشى فيه وقتل الجراد.. ففيه قولان:
أحدهما: لا جزاء عليه؛ لأنه مضطر إلى قتله، فلم يجب عليه الجزاء، كما لو صال عليه صيد فقتله.
والثاني: يجب عليه الجزاء. قال الشيخ أبو حامد: وهو الأشبه؛ لأنه أتلفه لمنفعة نفسه فضمنه، كما لو اضطر إلى أكله فأكله.
وإن باض صيد على فراشه فنقله عنه، ولم يحضنه الصيد حتى فسد... ففيه قولان، كالجراد إذا مشى عليه في الطريق.

.[مسألة:فعل محظور سهوا أو جهلا]

وإن لبس، أو تطيب، أو دهن رأسه أو لحيته ناسيا أو جاهلا بالتحريم... فلا فدية عليه. وبه قال الثوري وعطاء والزهري.
وقال مالك وأبو حنيفة والمزني: (يجب عليه الفدية).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، ولم يرد رفع الفعل؛ لأن الفعل إذا وقع.. لم يرتفع، وإنما أراد رفع حكم الخطأ من الإثم والفدية.
«وروى يعلى بن أمية قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجعرانة، فأتاه أعرابي وعليه مقطعة - يعني: جبة مضمخة بالخلوق - فقال: يا رسول الله، أحرمت بعمرة وعلى هذه، فما أصنع؟ فقال: «ما كنت تصنع في حجك؟» قال: كنت أنزع الجبة وأغسل الصفرة، فقال: «اصنع في عمرتك ما كنت تصنع في حجك». ولم يأمره بالفدية.
فإن ذكر ما فعله ناسيا، أو علم ما فعله جاهلا.. فإنه ينزع عنه اللباس ويزيل عنه الطيب في الحال إذا أمكنه ذلك وإن طال الزمان بنزع الثياب وإزالة الطيب؛ لأن ذلك ترك له. وإن تركه مع إمكانه.. لزمته الفدية قل ذلك أو كثر؛ لأنه كابتدائه للطيب واللباس.
وإن تعذر عليه ذلك، بأن كان بيده علة أو كان زمنا، ولا يمكنه نزع الثياب ولا إزالة الطيب، فانتظر من ينزع الثياب عنه ويزيل الطيب.. فلا فدية عليه؛ لأنه كالمكره على استدامته.
إذا ثبت هذا: فإنه ينزع عنه الثياب، كما ينزع لباسه في العادة، فإن كان قميصا نزعه من قبل رأسه.
وحكي عن بعض التابعين: أنه قال: يشق [عن] بدنه، ولا ينتظر نزعه من قبل رأسه.
دليلنا: ما روى أبو داود: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر الأعرابي أن ينزع الجبة، فنزعها من قبل رأسه، ولم ينكر عليه».

.[فرع: جهل معرفة الطيب]

قال المسعودي [في "الإبانة" ق\191] لو علم أن الطيب محظور، ولكن تطيب بطيب وهو يجهل أنه طيب، أو يظن أنه ليس بطيب فكان طيبا.. فإن عليه الفدية، كما لو أمسك وردا وظن أنه ليس بطيب.

.[فرع: الترفه ناسيا أو جاهلا للمحرم وقتل غير المكلف للصيد]

وإن حلق الشعر، أو قلم الظفر، أو قتل الصيد ناسيا أو جاهلا بالتحريم.. قال الشافعي: (فعليه الفدية).
ولو زال عقله بجنون أو إغماء، وقتل صيدا.. ففيه قولان:
أحدهما: أن عليه الفدية؛ لأن ضمان الصيد يجري مجرى حقوق الآدميين.
والثاني: لا فدية عليه؛ لأنه إنما منع من قتله للتعبد، والمجنون والمغمى عليه ليسا من أهل التعبد.
فمن أصحابنا: من نقل هذين القولين إلى الناسي في إتلاف الشعر والظفر والصيد. ومنهم من قال: بل تجب الفدية على الناسي قولا واحدا؛ لأن المجنون غير مكلف، والناسي مكلف.

.[فرع: الجماع ناسيا أو جاهلا]

وإن جامع ناسيا، أو جاهلا بالتحريم.. ففيه قولان:
أحدهما قال في القديم: (يفسد حجه، ويلزمه الكفارة) - وبه قال مالك، وأبو حنيفة - لأنه سبب يتعلق به وجوب القضاء، فاستوى عمده وسهوه كالفوات.
والثاني: قال في الجديد: (لا يفسد حجه، ولا يلزمه الكفارة). وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
والمراد به: رفع الحكم. ولأنا لو أفسدنا الحج عليه، وأوجبنا عليه القضاء.. لم يؤمن مثل ذلك في القضاء؛ لأن الاحتراز من النسيان لا يمكن، وما كان هذا سبيله.. سقط، كما قلنا في الناس إذا أخطؤوا ووقفوا يوم العاشر أو الثامن بعرفة.

.[فرع: شعر المحرم على سبيل الوديعة أو العارية]

ولا يجوز للمحرم ولا للمحل أن يحلقا شعر المحرم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
والمراد به: لا يحلق بنفسه ولا بغيره، وانصرافه إلى حلقه بغيره أظهر؛ لأن العادة أن الإنسان لا يحلق رأسه بنفسه.
إذا ثبت هذا: فإن حلق واحد منهما شعر المحرم.. نظرت: فإن كان بأمره.. وجبت الفدية على المحلوق؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكعب بن عجرة: «احلق رأسك، وانسك شاة» ولم يفرق بين أن يحلقه بنفسه، أو بغيره. ولأنه مستحفظ على شعره، أما على سبيل العارية أو الوديعة، فأيهما كان وأتلفه في يده باختياره.. وجب عليه الضمان، ولا يجب على الحالق شيء.
وقال أبو حنيفة: (إن كان الحالق محرما.. كان عليه صدقة).
دليلنا: أنه أزال شعره بإذنه، فلم يكن على المزيل شيء، كما لو كان الحالق حلالا.
وإن حلقه غيره بغير إذنه، بأن كان نائما أو أكرهه على ذلك.. وجبت الفدية وعلى من تجب؟ فيه طريقان:
الأول: قال أبو علي بن أبي هريرة: تجب على الحالق قولا واحدا. فإن هرب، أو غاب، أو كان معسرا.. فهل تجب على المحلوق؟ فيه قولان.
والثاني: قال الشيخ أبو إسحاق والشيخ أبو حامد وعامة أصحابنا: في الوجوب قولان:
أحدهما: يجب على الحالق ولا شيء على المحلوق. وبه قال مالك وأبو حنيفة، وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
ولأنه شعر زال عنه بغير اختياره، فأشبه إذا مرض وتمعط عنه شعره. ولأنه أمانة عنده، فإذا أتلفه غيره.. كان الضمان على المتلف، كالوديعة.
والثاني: يجب على المحلوق، ويرجع بها على الحالق؛ لأن المحلوق هو الذي ترفه بالحلق، فكانت الفدية عليه. ولأنه شعر زال عن المحرم بفعل آدمي، فكانت الفدية عليه، كما لو حلقه بإذنه.
قال الشيخ أبو حامد: وأصل المسألة أن قول الشافعي اختلف في أن شعر المحرم عنده على سبيل الوديعة أو العارية؟ وفيه قولان:
أحدهما: أنه كالوديعة.
فعلى هذا: إذا تلفا بغير تفريط.. فلا ضمان عليه.
والثاني: أنه كالعارية، فإذا تلف بأي وجه كان.. فعليه الضمان.
وقال القاضي أبو الطيب: هذا خطأ عندي، وينبغي أن يكون كالوديعة؛ لأن العارية ما أمسكها لمنفعة نفسه، وهذا منفعته في إزالته. ولأنه لو احترق بشرارة وقعت عليه أو تمعط بمرض.. لم يجب عليه ضمانه.
قال الشيخ أبو حامد: ولا يلزم على قولنا: إنه على سبيل العارية، إذا تلف بشرارة أو مرض؛ لأن العارية إنما يجب ضمانها على المستعير إذا تلفت بغير فعل المالك وهاهنا إذا زال شعره بالاحتراق أو بالمرض.. فإنما هو بمنزلة من أعار غيره عينا، فأتلفها المالك.. فإنه لا ضمان على المستعير.
إذا ثبت ما ذكرناه: فإن قلنا: إن الفدية تجب على الحالق ابتداء.. نظرت: فإن أخرجها.. فلا كلام، وهو مخير في الافتداء بين: الهدي أو الإطعام أو الصيام، وإن لم يخرجها.. فقال عامة أصحابنا: للمحلوق مطالبته بالإخراج؛ لأنه وجب بسببه، وقال ابن الصباغ: ليس له ذلك؛ لأن الوجوب تعلق بالفاعل لحق الله تعالى دون المحلوق. فإن كان الحالق معسرا.. بقيت في ذمته ولا شيء على المحلوق وإن قلنا: إن الفدية تجب على المحلوق، فإن كان الحالق حاضرا قادرا على الكفارة.. قال الشيخ أبو حامد: وجب عليه أن يفتدي لأنه لا معنى أن نأمر المحلوق بالفدية، ثم يرجع على الحالق. فإن أراد المحلوق هاهنا أن يفتدي.. كان عليه أن يفتدي بالهدي، أو بالإطعام، وأما بالصيام: فلا؛ لأنه يتحمل هذه الفدية بدلا عن غيره، والصوم لا يصح فيه التحمل. وإن غاب الحالق، أو هرب، أو كان حاضرا وهو معسر بالهدي، أو الإطعام.. كان على المحلوق أن يفتدي ليسقط الفرض عن نفسه، وله أن يفتدي: بالهدي أو الإطعام أو الصيام، فإن افتدى بالهدي أو الإطعام.. رجع بأقلهما قيمة، فإن افتدى بالهدي، وكانت قيمة الطعام أقل من قيمة الهدي.. رجع عليه بقيمة الطعام. وإن افتدى بالإطعام، وكانت قيمة الهدي أقل.. رجع عليه بقيمة الهدي؛ لأن الفرض يسقط عنه بأقلهما، فإذا افتدى بالأكثر.. كان كالمتطوع في الزائد، فلم يرجع به. وإن افتدى بالصوم.. فالمذهب: أنه لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه له قيمة للصوم، فيرجع به. ومن أصحابنا من قال: يرجع عليه بثلاثة أمداد؛ لأن صوم كل يوم مقدر بمد. وليس بشيء.
وإن حلق رأسه، والمحلوق متيقظ ساكت لم يمنعه.. ففيه طريقان:
الأول: من أصحابنا من قال: حكمه حكم ما لو أكرهه، فيكون على قولين؛ لأن سكوت المتلف عليه.. لا يوجب ضمان ما يجب له، كما لو خرق رجل ثوبه وهو ساكت.
والثاني: منهم من قال: حكمه حكم ما لو أمره.. فتكون الفدية على المحلوق. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح؛ لأن الشعر عنده إما أن يكون على سبيل الوديعة، أو العارية، وأيهما كان.. فإنه إذا قدر على منع من يتلف ذلك، فلم يفعل.. وجب عليه الضمان.

.[مسألة:اغتسال المحرم والغطس في الماء]

يجوز للمحرم أن يغسل رأسه وبدنه بالماء، ويدخل الحمام؛ لما روى أبو أيوب الأنصاري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل وهو محرم».
وروي: (أن ابن عباس دخل حماما بالجحفة، وقال: ما يعبأ الله بأوساخنا شيئا).
وأما دلك البدن باليد عند الغسل: فجائز؛ لأنه لا يخشى منه قلع الشعر؛ لأن شعر البدن لا ينقطع بذلك.
ولا يكره دلك البدن، وإزالة الوسخ عنه.
وقال مالك: (لا يفعل، فإن فعل.. كان عليه صدقة).
دليلنا: حديث ابن عباس، حيث قال: (ما يعبأ الله بأوساخنا شيئا).
وأما دلك شعر الرأس واللحية في الغسل، فإن كان الغسل للتبرد والتنظف. لم يحرك شعره بيده مخافة أن يقطع به الشعر. وإن كان يغتسل للجنابة، أو للحيض، أو للنفاس.. خلل شعره ببطون أنامله، ولا يحركه بأظفاره، ويخلل الماء في أصول شعره تخليلا رفيقا؛ لما روي: أنه «سئل أبو أيوب: كيف اغتسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو محرم؟ وكان أبو أيوب يغتسل، فأمر من يصب الماء على رأسه، ووضع يده على
رأسه ودلك شعره ببطون أصابعه، وقال: هكذا رأيته يفعل»
فإن دلك شعره بيده - إما دلكا رفيقا أو شديدا - وخرج على يده شعر.. فالاحتياط أن يفتدي مخافة أن يكون قد قلعه، ولا يجب عليه شيء حتى يتيقن أنه انقلع بفعله؛ لأن الشعر قد يكون مقلوعا، فإذا مسه خرج.
ويجوز للمحرم أن ينزل في الماء ويتغطس فيه: لما روي عن ابن عباس: أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب: (تعال حتى أباقيك في الماء: لننظر: أينا أطول نفسا ونحن محرمان).

.[فرع: غسل المحرم رأسه بالمنظفات]

ويجوز للمحرم أن يغسل رأسا بالسدر والخطمي، وبه قال أحمد.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز، وإذا غسله بالخطمي.. وجبت عليه الفدية).
دليلنا: أن هذا ليس بطيب، ولا يحصل به ترجيل الشعر، فلم يمنع منه المحرم كالماء.

.[فرع: الحجامة والافتصاد للمحرم وحج الأغلف]

ويجوز للمحرم أن يحتجم، ويفتصد، ويقطع العروق ما لم يقطع الشعر لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم، وهو صائم محرم» وإذا ثبت الاحتجام بالخبر.. جاز الافتصاد قياسا عليه.
قال الشافعي: (وكذلك لو استاك فأدمى فمه أو حك بدنه فأدماه.. فلا شيء عليه لأنه أقل من الحجامة. وقال الشافعي: (وإذا حج الرجل وهو أغلف.. صح حجه)؛ لأن أكثر ما فيه أنه وجب عليه قطع جلدة من بدنه، وذلك لا يمنع صحة الحج، كما لو كان عليه قطع في سرقة أو قصاص.

.[فرع: اكتحال المحرم]

وأما الاكتحال بما لا طيب فيه، فإنه كان أبيض كالتوتياء... فيجوز للمحرم أن يكتحل به لحاجة ولغير حاجة؛ لأنه يقصد به التداوي، ولا يحسن العين، بل يزيدها مرها وقبحا. وإن كان أسود - وهو الإثمد - فإن لم يكن بالمحرم إليه حاجة
كره له أن يكتحل به؛ لأنه يحسن العين ويزيل شعثها وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الحاج أشعث أغبر.
قال الشافعي: (والمرأة في ذلك أشد كراهية من الرجل)؛ لأن لها بالكحل من الجمال ما ليس للرجل.
فإن اكتحل.. فلا فدية عليه؛ لأنه لا يرجل العين.
وإن كان المحرم يحتاج إلى الكحل الذي لا طيب فيه لمرض في عينيه.. لم يكره له. لما روي: «أن رجلا اشتكى عينه وهو محرم، فسأل أبان بن عثمان وكان أميرا على الحاج، فقال له: (أضمدها بالصبر؛ فإني سمعت عثمان بن عفان يروي ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وروي: (أن ابن عمر اشتكت عينه وهو محرم، فقطر فيها الصبر).

.[فرع: نظر المحرم في المرآة]

قال في " المعتمد ": لا يكره للمحرم النظر في المرآة. وروي ذلك عن ابن عباس، وفعله أبو هريرة؛ لأنه ليس فيه استمتاع، ولا إزالة شعث، فلم يكره، كالنظر إلى شيء يستحسن.
وقال في "الفروع": ذكر الشافعي في " الإملاء ": (أنه يكره) - وبه قال مالك وعطاء - لأنه يدعوه إلى التنظف، والمستحب للحاج أن يكون أشعث أغبر، فحصل في الكراهة وجهان، المنصوص: (أنه يكره).

.[فرع: استظلال المحرم]

يجوز للمحرم أن يستظل نازلا تحت سقف بيت وكنيسة وعمارية، وكذلك يجوز راكبا في الكنيسة والعمارية والهودج، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك وأحمد: (يجوز أن يستظل نازلا، ولا يجوز راكبا تحت سقف مثل الكنيسة والعمارية والهودج، ويجوز أن يستظل تحت ثوب).
دليلنا: «أن امرأة رفعت صبيا من هودجها إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم»، ولك أجر» والهودج مسقف له محالة، ولم ينكر ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وروت أم الحصين قالت: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعه بلال، وأسامة بن زيد أحدهما آخذ بزمام ناقة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والآخر رافع ثوبه يستره من الشمس، حتى رمى جمرة العقبة».